نام : کتاب احسان المحسن بإحسان خاتم الانبیاء
نویسنده : دکتر عبدالصدیق آخوند کشمیری
شناسه : 6

تفسیر نظم الدرر

تفسیر نظم الدرر:
فقال: {تقشعر} أي تهتز وتتجمع وتتقبض تقبضاً شديداً, من القشع وهو الأدسم اليابس, وزيد حرفاً لزيادة المعنى, واختير حرف التكرير إشارة إلى المبالغة فيه, وكونه حرف التطوير أشد للمناشبة {منه جلود} أي ظواهر أجسام {الذين يخشون} أي يخافون خوفاً شديداً ويلتذون لذة توجب إجلالاً وهيبة, فيكون ذلك سبب ذلك, وزاد في مدحهم بأنهم يخافون المحسن, فهم عند ذكر أوصاف الجلال أشد خوفاً, فلذلك لفت القول إلى وصف الإحسان فقال: {ربهم} أي المربي لهم والمحسن إليهم لاهتزاز قلوبهم, روى الطبراني عن العباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت خطاياه" وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر برجل من أهل العراق ساقط, قال: فما بال هذا؟ قال: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط, قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنا لنخشى الله وما نسقط وإن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم, ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, {ثم تلين} أي تمتد وتنعم, وقدم ما صرح فيه بالاقشعرار الذي يلزمه البيس, وأخر القلوب إبعاداً لها عما قد يفهم يبساً فيوهم قسوة فقال: {جلودهم} لتراجعهم بعد برهة إلى الرجاء ةإن اشتدت صلابتها {وقلوبهم} وذكره الخشية لا تكون إلا في القلب, وكان سر حذف التصريح بذلك تنزيهاً عن ذكر ما قد يفهم القسوة. ولما كان القلب شديد الاضطراب والتقلب, دل على حفظه له بنافذ أمره وباهر عظمته بالتعدية بـ " إلى " ليكون المعنى: ساكنة مطمئنة {إلى ذكر الله} أي ذي الجلال والأكرام, فإن الأصل في ذكره الرجاء لأن رحمته سبقت غضبه, وأظهر موضع الإضمار لأحسن الحديث لئلا يوهم أن الضمير للرب, فيكون شبهة لأهل الاتحاد أو غيرهم من أرباب البدع, ولم يقل: إلى الحديث أو الكتاب - مثلاً, بل عدل إلى ما عرف أنه ذكره سبحانه ليكون أفخم لشأنه, وزاده فخامة بصرف القول المقتضي للإحسان إلى الاسم الجامع للجلال والإكرام.
الكتاب : تفسیر نظم الدرر
المؤلف : الإمام برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي - ومات فيها سنة 885هـ.